responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 37
بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ: مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَاب مَا تَنْطِق بِهِ الْأَلْسِنَة وَتَعْتَقِدهُ الْأَفْئِدَة مِنْ وَاجِب أُمُور الديانات]
(بَابٌ) بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا بَابٌ، وَهَذَا أَوْلَى مَا يُقَالُ فِي جَمِيعِ التَّرَاجِمِ مِنْ نَحْوِ: كِتَابٌ أَوْ فَصْلٌ أَوْ تَنْبِيهٌ أَوْ فَرْعٌ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقُ إلَى الشَّيْءِ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ كَبَابِ الدَّارِ مَجَازٌ فِي الْمَعَانِي كَبَابِ الطَّهَارَةِ، وَلَا يَصِحُّ إرَادَةُ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا لِأَنَّهُ فِي الِاصْطِلَاحِ اسْمٌ لِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ مَسَائِلِ الْعِلْمِ الْمَقْصُودِ، وَيُسَمُّونَ أَنْوَاعَهُ فُصُولًا، وَيُسَمُّونَ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْفَصْلُ مَسَائِلَ جَمْعُ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَطْلُوبٌ خَبَرِيٌّ يُبَرْهِنُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ، وَلَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ إلَّا كَسْبِيَّةً أَيْ مُكْتَسَبَةً مِنْ الدَّلِيلِ، وَلِذَلِكَ لَا تُعَدُّ ضَرُورِيَّاتُ الْعُلُومِ مِنْ مَسَائِلِهِ نَحْوُ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسِ فَرْضٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَالْحَجُّ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ، وَالصَّوْمُ فَرْضٌ عَلَى الْبَالِغِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعِلْمَ بِهَذِهِ ضَرُورِيٌّ لَيْسَ مَأْخُوذًا بِاجْتِهَادِ الْأَئِمَّةِ، وَيَجُوزُ فِي نَحْوِ: بَابُ الْجِهَادِ فَرِيضَةٌ التَّنْوِينُ وَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ بَدَلًا مِنْهُ بَدَلَ مُطَابِقٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْبَابَ اسْمٌ لِجَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ لَفْظِ بَابٍ، وَيَجُوزُ تَرْكُ التَّنْوِينِ لِإِضَافَتِهِ إلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ إضَافَةِ الدَّالِّ إلَى مَدْلُولِهِ أَوْ الِاسْمِ إلَى الْمُسَمَّى، وَأَمَّا فِي نَحْوِ: هَذَا مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَلِ لَفْظَ بَابٍ جُمْلَةٌ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِضَافَةُ إلَى لَفْظِ مَا بَعْدَهُ.
وَفِي الْحَقِيقَةِ إلَى مَحْذُوفٍ مُضَافٍ إلَى (مَا) الْمَوْصُولَةِ وَالتَّقْدِيرُ بَابُ بَيَانِ الَّذِي وَصِلَتِهِ (تَنْطِقُ) أَيْ تُصَوِّتُ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ وَالْمَنْطِقَ مَا يُصَوِّتُ بِهِ مِنْ مُفْرَدٍ وَمُؤَلَّفٍ مُفِيدًا وَغَيْرَهُ وَيَكُونُ لِلْعُقَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ.
قَالَتْ الْعَرَبُ: نَطَقَتْ الْحَمَامَةُ، وَقَالَ تَعَالَى: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} [النمل: 16] فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكَلَامِ، وَالضَّمِيرُ فِي (بِهِ) رَاجِعٌ إلَى مَا الْمَوْصُولَةِ؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الَّذِي، وَفَاعِلُ تَنْطِقُ (الْأَلْسِنَةُ) جَمْعُ لِسَانٍ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَهُوَ تُرْجُمَانُ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ النُّطْقِ فَذَكَرَهُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَنْطِقُ هُوَ صَاحِبُ اللِّسَانِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ وَهُوَ إسْنَادُ الْفِعْلِ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ.
(وَ) بَابُ بَيَانِ الَّذِي (تَعْتَقِدُهُ) الْمُرَادُ تَعْلَمُهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَإِنَّهُ قَالَ: الِاعْتِقَادُ هُوَ الذِّكْرُ النَّفْسِيُّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ مُتَعَلِّقُهُ النَّقِيضَ عِنْدَ الذَّاكِرِ، فَالْمُرَادُ بِالِاعْتِقَادِ الْعِلْمُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ هُنَا حَقِيقَتُهُ وَهُوَ حُكْمُ الذِّهْنِ الْجَازِمِ الْقَابِلِ لِلتَّغْيِيرِ، وَقَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ أَيْضًا: وَجَازِمُهُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّغْيِيرَ عِلْمٌ، وَقَابَلَهُ اعْتِقَادٌ صَحِيحٌ إنْ طَابَقَ الْوَاقِعَ كَاعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ سُنِّيَّةَ الضُّحَى، وَفَاسِدٌ إنْ لَمْ يُطَابِقْ كَاعْتِقَادِ الْفَلْسَفِيِّ قَدِمَ الْعَالَمِ، وَفَاعِلُ تَعْتَقِدُهُ (الْأَفْئِدَةُ) جَمْعُ فُؤَادٍ وَهُوَ مُرَادِفٌ، لِلْقَلْبِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَتَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ، وَقِيلَ: الْفُؤَادُ دَاخِلُ الْقَلْبِ، وَقِيلَ: الْفُؤَادُ الْغِشَاءُ الَّذِي عَلَى الْقَلْبِ، فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: الْقَلْبُ لَطِيفَةٌ رَبَّانِيَّةٌ هِيَ الْمُخَاطَبَةُ وَهِيَ الَّتِي تُثَابُ وَتَعَاقُبُ، وَلَهَا تَعَلُّقٌ بِالْقَلْبِ الْجُسْمَانِيِّ الصَّنَوْبَرِيِّ الشَّكْلِ تَعَلُّقُ الْعَرَضِ بِالْجَوْهَرِ، وَيُسَمَّى رُوحًا وَنَفْسًا، وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يُذْكَرُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْهُ مَا يَجِبُ النُّطْقُ بِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ الشَّهَادَتَانِ وَمِنْهُ مَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ، وَلَا يَجِبُ النُّطْقُ بِهِ إلَّا إذَا سُئِلَ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْطِقَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِقَادِهِ ذَلِكَ وَذَلِكَ سَائِرُ عَقَائِدِ الْإِيمَانِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ يَجِبُ النُّطْقُ بِهِ وَاعْتِقَادُهُ، ثُمَّ بَيَّنَ عُمُومَ مَا يَقُولُهُ (مِنْ وَاجِبِ أُمُورٍ) أَيْ أَحْوَالٍ وَشُؤُون (الدِّيَانَاتِ) جَمْعُ دِينٍ وَهُوَ وَاحِدٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَجُمِعَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِينَ، وَقَوْلُهُ: وَاجِبُ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ إنْ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ فَمِنْ لِبَيَانِ جِنْسِ الْوَاجِبِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِمَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَعَمَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ نُطْقًا فَقَطْ أَوْ اعْتِقَادًا فَقَطْ فَهِيَ لِلتَّبْعِيضِ، وَهَذَا الْبَابُ عَقَدَهُ الْمُصَنِّفُ لِبَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَعْرِفَتُهُ مِنْ عِلْمِ التَّوْحِيدِ وَقَدَّمَهُ عَلَى فَنِّ الْفِقْهِ لِتَقَدُّمِهِ فِي الْوُجُوبِ، وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى أَزِيدَ مِنْ مِائَةِ عَقِيدَةٍ وَمَرْجِعُهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: مَا يَجِبُ لِلَّهِ، وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، وَمَا يَجُوزُ، فَأَشَارَ إلَى مَا يَجِبُ لِلَّهِ بِقَوْلِهِ: الْعَالِمُ الْخَبِيرُ إلَى قَوْلِهِ الْبَاعِثُ الرُّسُلَ، وَأَشَارَ إلَى الْمُسْتَحِيلِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: لَا إلَهَ غَيْرَهُ إلَى قَوْلِهِ الْعَالِمُ الْخَبِيرُ

اسم الکتاب : الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف : النفراوي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 37
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست